الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
فيها - أعني سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة - توفي قاضي القضاة عماد الدين أبو الفداء إسماعيل ابن الشيخ شرف الدين أبي البركات محمد بن أبي العز بن صالح الدمشقي الحنفي قاضي قضاة دمشق بها عن نيف وتسعين سنة. وكان فقيهًا رئيسًا من بيت علم ورياسة بدمشق. وهم يعرفون ببني أبي العز وبنى الكشك. وتوفي قاضي القضاة كمال الدين أبو القاسم عمر ابن قاضي القضاة فخر الدين أبي عمر عثمان بن الخطيب هبة الله المعري الشافعي بدمشق عن إحدى وسبعين سنة بعد أن حكم بها خمس سنين. وكان تنقل في البلاد وولي قضاء طرابلس وحلب ودمشق غير مرة ة وكان فقيهًا عارفًا بالأحكام خبيرًا بالأمور. وتوفي الشيخ الإمام العالم شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حمدان بن أحمد بن عبد الواحد الأذرعي الشافعي بحلب عن نيف وسبعين سنة. وكان عديم النظير فقيهًا عالمًا. شرح منهاج النووي. واستوطن حلب وولي بها التدريس ونيابة الحكم إلى أن توفي. رحمه الله. وتوفي الشيخ الإمام العالم الفاضل ركن الدين أحمد القرمي الحنفي الشهير بقاضي قرم ومفتي دار العدل بالديار المصرية بها عن ثمانين سنة. واستقر عوضه في إفتاء دار العدل الشيخ شمس الدين محمد النيسابوري ابن أخي جار الله الحنفي. وكان ركن الدين فاضلًا عارفًا بمذهبه وتوفي شيخ الشيوخ نظام الدين إسحاق ابن الشيخ مجد الدين عاصم ابن الشيخ سعد الدين محمد الأصبهاني الحنفي في ليلة الأحد ثالث عشر ربيع الآخر قاله المقريزي وخالفه العيني بأن قال: في المحرم سنة ثمانين ولم يوافق لا في الشهر ولا في السنة والصواب المقالة الأولى. وكان قدم إلى القاهرة وتولى مشيخة خانقاه سرياقوس ثم توجه في الرسلية إلى بلاد الهند وعاد وقد كثر ماله حتى إنه أهدي الذهب في الأطباق. ومما يدل على اتساع ماله عمارته الخانقاه بالقرب من قلعة الجبل تجاه باب الوزير على بعد متر شرقي الجبل وهي في غاية الحسن. وكان له همة ومكارم. حدثني حفيده بأشياء كثيرة من مكارمه وفضله وأفضاله. توفي الشيخ جمال الدين عبد الله بن محمد بن حديدة الأنصاري أحد الصوفية بالخانقاه الصلاحية سعيد السعداء في سادس عشرين شعبان. وكان يروي الشفاء وثلاثيات البخاري وغير ذلك. وصنف كتاب المصباح المضيء في كتاب النبي عليه السلام ومكاتباته. وتوفي الأمير سيف الدين مازي بن عبد الله اليلبغاوي أحد أمراء الطبلخانات بالديار المصرية بها. وتوفي السيد الشريف عطية بن منصور بن جماز بن شيحة الحسني أمير المدينة النبوية بها وتولى بعده ابن أخيه جماز بن هبة الله. وكان كريمًا عادلًا رحمه الله. وتوفي الأمير آنص العثماني الجركسي والد الأتابك برقوق العثماني أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية في العشر الأوسط من شوال وقد جاوز ثمانين سنة من العمر. أقام عمره في بلاد الجركس حتى هداه الله تعالى للإسلام على يد ولده الأتابك برقوق وقدم القاهرة كما تقدم ذكره في ترجمة الملك المنصور علي وأسلم وحسن إسلامه وأقام بعد ذلك دون السنتين ومات. ومع هذه المدة القصيرة من إسلامه أظهر فيها عن دين كبير وخير وصدقات كثيرة ومحبة لأهل العلم وشفقة على الفقراء وأهل الصلاح. وكان لا يدخر شيئًا من المال بل كان مهما حصل في يده فرقه في الحال على الفقراء والمساكين. أخبرني جماعة من خدمه أنه كان إذا ركب ولقي في طريقه أحدًا من المحابيس المكدين يأخذه من جنداره ويطلقه في الحال من زنجيره ولم يقدر أحد أن يرده عن ذلك فمنع برقوق من خروج المحابيس للتكدي خوفًا من أن يطلقهم فإنه كان إذا رأى أحدًا منهم يسأل من مماليكه: هذا مسلم أم كافر فيقولون له: مسلم فيقول: كيف يفعل بمسلم هكذا في بلاد الإسلام أطلقوه فيطلق في الحال. ومات قبل سلطنة ولده برقوق ودفن بتربة الأمير يونس الدوادار برأس الروضة خارج باب البرقية من القاهرة. ثم نقل بعد فراغ مدرسة ولده البرقوقية ببين القصرين إلى الدفن بها في القبة. وتوفي الأمير الكبير سيف آقتمر بن عبد الله من عبد الغني نائب السلطنة بالديار المصرية بالقاهرة في هذه السنة بعد أن باشر عدة أعمال ووظائف مثل: نيابة صفد وطرابلس ودمشق وحجوبية الحجاب بديار مصر وإمرة جاندار ونيابة السلطنة بها مرتين. وبموته خلا الجو للأتابك برقوق وتسلطن. مع أنه كان عديم الشر غير أنه كان مطاعًا في الدولة يرجع إلى كلامه فكان برقوق يراعيه ويجلس تحته إلى أن مات في تاسع عشرين جمادى الآخرة. وتوفي الأمير الكبير عز الدين أيدمر بن عبد الله الشمسي أحد أكابر أمراء الألوف بالديار المصرية بها في ثالث عشر صفر وقد جاوز الثمانين سنة وكان أصله من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون. أقام أميرًا نحوًا من ستين سنة وهو أيضًا ممن كان برقوق يخشاه ويعظمه ويجلس تحته حتى في يوم حضور والد برقوق بخانقاة سرياقوس جلس برقوق تحته في الملأ من الناس. فبموت هؤلاء صفا الوقت لبرقوق وإن كان بقي من القدماء إشقتمر المارديني وأيدمر الخوارزمي فهما ليس كهؤلاء فإنهما لحبهما لنيابة دمشق وغيرها يتواضعان لأصحاب الشوكة. انتهى. وكان أيدمر الشمسي هذا كونه مملوك ابن قلاوون يجلس عن اليمين وآقتمر عبد الغني عن اليسار. وتوفي الأمير سيف الدين طشتمر بن عبد الله القاسمي المعروف بخازندار يلبغا العمري نائب حماة في هذه السنة في شهر رجب بعين تاب صحبة العساكر الشامية. وكان من أجل مماليك وتوفي الأمير علان بن عبد الله الشعباني أمير سلاح في ثماني عشر شهر ربيع الآخرة وهو أحد أعيان مماليك يلبغا. وكان من حزب برقوق وقام معه في نوبة واقعة بركة أتم قيام وكان برقوق لا يخرج عن رأيه. وتوفي خواجا خر الدين عثمان بن مسافر جالب الأتابك برقوق من بلاده ثم جالب أبيه وإخوته إلى الديار المصرية بالقاهرة في سادس عشر شهر رجب. وكان رجلًا مقدامًا عاقلًا وقورًا. نالته السعادة لجلبه الأتابك برقوق ومات وهو من أعيان المملكة. وكان برقوق إذا رآه قام له من بعد وأكرمه وقبل شفاعته وأعطاه ما طلب. وتوفي الشيخ الفقير المعتقد علي الشامي بالقاهرة في خامس صفرة وكان يعرف بأبي لحاف. وتوفي الأمير علاء الدين علي بن قشتمر الحاجب الشهير بالوزيري في تاسع عشرين شهر ربيع الآخر. كان أمير مائة ومقدم ألف بديار مصر وكان من خواص برقوق وأحد من قام معه في وقائعه وساعده. وتوفي الأستاذ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد المعروف بابن السوري العماري الموصلي العواد المغني - نسبته بالعماري إلى عمار بن ياسر الصحابي رضي الله عنه - في يوم العشرين من صفر بالقاهرة. وقد انتهت إليه الرئاسة في ضرب العود والموسيقى ونالته السعادة من أجلها قلت: وهو صاحب التصانيف الهائلة في الموسيقى. وتوفيت المسندة المعمرة جويرية بنت الشهاب أبي الحسن أحمد بن أحمد الهكاري في يوم السبت ثاني عشرين صفر وقد انفردت برواية النسائي وغيرها. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم خمسة أذرع وثمانية أصابع. مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا واثنا عشر إصبعًا. سلطنة الملك الظاهر برقوق الأولى السلطان الملك الظاهر أبو سعيد سيف الدين برقوق بن آنص العثماني اليلبغاوي الجاركسي القائم بدولة الجراكسة بالديار المصرية. وهو السلطان الخامس والعشرون من ملوك الترك بالديار المصرية والثاني من الجراكسة إن كان الملك المظفر بيبرس الجشنكير جاركسيًا وإن كان بيبرس تركي الجنس فبرقوق هذا هو الأول من ملوك الجراكسة وهو الأصح وبه نقول. جلس على تخت الملك في وقت الظهر من يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة الموافق له آخر يوم هاتور من الشهور القبطية وسادس تشرين الثاني بعد أن اجتمع الخليفة المتوكل على الله أبو عبد الله محمد والقضاة وشيخ الإسلام سراج الذين عمر البلقيني وخطب الخليفة المتوكل على الله خطبة بليغة. ثم بايعه على السلطنة وقلده أمور المملكة ثم بايعه من بعده القضاة والأمراء. ثم أفيض على برقوق خلعة السلطنة وهي سوداء خليفتية على العادة. وأشار السراج البلقيني أن يكون لقبه الملك الظاهر فإنه وقت الظهيرة والظهور وقد ظهر هذا الأمر بعد أن كان خافيًا فتلقب بالملك الظاهر. وركب فرس النوبة من الحراقة من المقعد الذي بالإسطبل السلطاني من باب السلسلة والقبة والطير على رأسه وطلع من باب السر إلى القصر الأبلق وأمطرت السماء عند ركوبه بأبهة السلطنة فتفاءل الناس بيمن سلطنته ومشت الأمراء والأعيان بين يديه إلى أن نزل ودخل القصر المذكور وجلس على تخت الملك. وكان طالع جلوسه على تخت الملك برج الحوت والشمس في القوس متصلة بالقمر تثليثًا والقمر بالأسد متصل بالمشتري تثليثًا وزحل بالثور راجعًا والمشتري بالحمل متصل بعطارد من تسديس والمريخ بالجوزاء في شرفه والزهراء بالعقرب وعطارد بالقوس. ودقت البشائر بقلعة الجبل عند ركوبه ثم زينت القاهرة ومصر ونولي بالقاهرة بالدعاء للسلطان الملك الظاهر برقوق. ولما جلس على تخت الملك قبلت الأمراء الأرض بين يديه وخلع على الخليفة على العادة. ثم أمر الملك الظاهر في السلطنة وثبتت قواعد ملكه. ومدحه جماعة من شعراء عصره منهم الشيخ شهاب الدين أحمد بن العطار فقال: السريع ظهور يوم الأربعاء ابتدا بالظاهر المعتز بالقاهر والبشر قد تم وكل امرئ منشرح الباطن بالظاهر وقال الشيخ شهاب الدين الأعرج السعدي من قصيدة: الوافر تولى الملك برقوق المفدي بسعد الجد والأقدار حتم نهار الأربعاء بعيد ظهر وللتربيع في الأملاك حكم بتاسع عشر رمضان بعام لأربع مع ثمانين يتم قلت: ولنذكر أمر الملك الظاهر هذا من أول ابتداء أمره فنقول: أصله من بلاد الجاركس وجنسه كسا ثم أخذ من بلاده وأبيع بمدينة قرم فاشتراه خواجا عثمان بن مسافر المقدم ذكره وجلبه إلى مصر فاشتراه منه الأتابك يلبغا العمري الخاصكي الناصري في حدود سنة أربع وستين وسبعمائة وقبلها بيسير وأعتقه وجعله من جملة مماليكه. واستمر بخدمته إلى أن ثارت مماليك يلبغا عليه وقتل في سنة ثمان وستين وسبعمائة فلم أدر هل كان برقوق ممن هو مع أستاذه يلبغا أم كان عليه. ولما قتل يلبغا وتمزقت مماليكه وحبس أكثرهم حبس برقوق هذا مع من حبس مدة طويلة هو ورفيقه بركة الجوباني ومعهم أيضًا جاركس الخليلي وهو دونهم في الرتبة. ثم أفرج عنه وخدم عند الأمير منجك اليوسفي نائب الشام سنين إلى أن طلب الملك الأشرف مماليك يلبغا إلى الديار المصرية حضر برقوق هذا من جملتهم وصار بخدمة الأسياد أولاد الملك الأشرف جنديًا. ولم يزل على ذلك حتى ثار مع من ثار من مماليك يلبغا على الملك الأشرف شعبان في نوبة قرطاي وأينبك وغيرهما في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة وقتل الأشرف. ثم لما وقع بين أينبك وقرطاي وانتصر أينبك على قرطاي أنعم أينبك عليه بإمرة طبلخاناة دفعة واحدة من الجندية فدام على ذلك نحو الشهر. وخرج أيضًا مع من خرج على أينبك من اليلبغاوية فأخذ إمرة مائة وتقدمة ألف وكذلك وقع لرفيقه بركة. ثم صار بعد أيام قليلة أمير آخور كبيرًا ودام على ذلك دون السنة. واتفق مع الأمير بركة على مسك طشتمر الدوادار ومسكاه بعد أمور حكيناها في ترجمة الملك المنصور علي وتقاسما المملكة وصار برقوق أتابك العساكر وبركة رأس نوبة الأمراء أطابكا فدام على ذلك من سنة تسع وسبعين إلى سنة اثنتين وثمانين. ووقع بينه وبين خشداشه بركة وقبض عليه بعد أمور وحروب وصفا له الوقت إلى أن تسلطن. وقد تقدم ذكر ذلك كله غير أننا ذكرناه هنا ثانيًا على سبيل الاختصار لينتظم قال المقريزي رحمه الله: وكان اسمه ألطنبغا فغيره أستاذه يلبغا لما اشتراه وسماه برقوقًا لنتوء في عينه وقال القاضي علاء الدين علي ابن خطيب الناصرية: كان اسمه سودون نقلًا عن قاضي القضاة ولي الدين أبي زرعة العراقي عن التاجر برهان الدين المحلي عن خواجا عثمان بن مسافر. والقولان ليسا بشيء وإن كان النقلة لهذا الخبر ثقات في أنفسهم فإنهم ضعفاء في الأتراك وأسمائهم وما يتعلق بهم لا يرجع إلى قولهم فيها. والأصح أنه من يوم ولد اسمه برقوق كما سنبينه في هذا المحل من وجوه عديدة منها: أن الخواجا عثمان كان لا يعرف بالعربية وكان البرهان المحلي لا يعرف باللغة التركية كلمة واحدة فكيف دار بينهما الكلام حتى حكى له ما نقل وإن وقع اجتماعهما في بعض المجالس وتكالما فالبرهان يفهم عنه بالرمز لا بالتحقيق وليس بهذا نستدل بل أشياء أخر منها: أن والد الملك الظاهر برقوق لما قدم من بلاد الجاركس إلى الديار المصرية ونزل الملك الظاهر برقوق في وجوه الأمراء إلى ملاقاته بالعكرشة - وقد تقدم ذكر ذلك كله - وكان يوم ذلك برقوق مرشحًا للسلطنة فعندما وقع بصر والده عليه وأخذ برقوق في تقبيل يده ناداه باسمه برقوق من غير تعظيم ولا تحشم. وكان والد برقوق لا يعرف الكلمة الواحدة من اللغة التركية فلما جلس في صدر المخيم وصار يتكلم مع ولده برقرق بالجاركس ثم لما قدم وصار أمير مائة ومقدم ألف استمر على ما ذكرناه من أنه ينادي برقوقًا باسمه ولا يقوم له إذا دخل عليه فكلمه بعض أمراء الجراكسة أن يخاطبه بالأمير فلم يفعل وغضب وطلب العود إلى بلاد الجاركس فلو كان لبرقوق اسم غير برقوق ما ناداه إلا به ولو قيل له في ذلك ما قبله. فهذا من كبر الأدلة على أن اسمه القديم برقوق. وكذلك وقع لبرقوق مع الخوندات فإن أخته الكبرى كانت أرضعت برقوقًا مع ولد لها وكانت أيضًا لا تعرف باللغة التركية فكان أعظم يمين عندها: وحق رأس برقوق. وقدم مع الخوندات جماعة كبيرة من أقاربهم وحواشيهم وتداول مجيئهم من بلاد الجاركس إلى القاهرة إلى الدولة الناصرية ورأيت أنا الخوندات غير مرة. وأما جواريهم وخدمهم فصار غالبهم عندنا بعد موتهم. واستولد الوالد بعض من حضر معهم من بلاد الجاركس من الجواري. وكان غالب من حضر معهم من عجائز الجراكسة يعرف مولد برقوق فلم نسمع من أحد منهم ما نقله من تغيير اسمه ولا من أحد من مماليكه مع كثرة عددهم واختلاف أجناسهم ومنهم من يدعي له بقرابة مثل الأمير قجماس والد إينال الأمير الآخور الكبير وغيره وقد أثبت فرية قجماس المذكور أنه ابن عم برقوق بسبب ميراث مماليكه بمحضر شهد فيه جماعة من قدماء الجراكسة وسمي فيه برقوقًا وسمي قجماس قجماسًا. ثم لما وقفت على هذه النقول الغريبة سألت عن ذلك من أكابر مماليك برقوق فكل من سألت منه يقول: لم يطرق هذا الكلام سمعي إلا في هذا اليوم هذا مع كثرتهم وتعظيمهم لأستاذهم المذكور وحفظهم لأخباره وما وقع له قديمًا وحديثًا حتى إن بعضهم قال: هذا اسم جاركسي ويلبغا اسم تترى لا يعرف معناه ثم ذكر معناه فقال: هذا الاسم أصله ملي جق ومعناه بالجاركسي غنام فإن ملي بلغتهم أسم للغنم ثم خفف على جق ببرقوق ثم ذكر أسماء كثيرة كان أصلها غير ما هي عليه الآن مثل بايزير فسمي بايزيد ومنهم من جعله كنية أبي يزيد ومثل آل باي فسمي علي باي وأشياء من ذلك يطول شرحها. وقد خرجنا عن المقصود لتأييد قولنا وقد أوضحنا هذا وغيره في مصنف على حدته في تحريف أولاد العرب للأسماء التركية والعجمية وفي شهرتهم إلى بلادهم في مثل جانبك وتنبك وشيخون ومثل من نسب إلى فيروز باد واستراباد من زيادة ألفاظ وترقيق ألفاظ يتغير منها معناها حتى إن بعض الأتراك أو الأعاجم إذا سمعها لا يفهمها إلا بعد جهد كبير. انتهى. وأما
فإنه لما تسلطن جلس بالقصر الأبلق ثلاثة أيام فصارت هذه الإقامة سنة بعده لمن يتسلطن ولم تكن قبل ذلك. فلما كان يوم الاثنين رابع عشرين شهر رمضان قرئ عهد الملك الظاهر برقوق بالسلطنة بحضرة الخليفة والقضاة والأمراء وأعيان الدولة وخلع السلطان عليهم الخلع السنية. ثم أخلع على الأمير أيتمش البجاسي باستمراره رأس نوبة الأمراء وأطابكا وعلى الأمير ألطنبغا الجوباني أمير مجلس على عادته وعلى جاركس الخليلي الأمير آخور الكبير على عادته وعلى الأمير سودون الفخري الشيخوني حاجب الحجاب باستقراره نائب السلطنة بالديار المصرية وكانت شاغرة من يوم مات الأمير آقتمر عبد الغني. وخلع على الأمير ألطنبغا الكوكائي أمير سلاح واستقر حاجب الحجاب عوضًا عن سودون الشيخوني وعلى الأمير ألطنبغا المعلم باستقراره أمير سلاح عوضًا عن الكوكائي المنتقل إلى الحجوبية. قلت: وهذا مما يدل على أن وظيفة إمرة سلاح كانت إذ ذاك دون الحجوبية انتهى. ثم أخلع السلطان على الأمير يونس النوروزي دواداره قديمًا باستقراره دوادارًا كبيرًا بإمرة مائة وتقدمة ألف عوضًا عن ألابغا العثماني المقبوض عليه قبل تاريخه وعلى الأمير قردم الحسني اليلبغاوي باستقراره على عادته رأس نوبة ثانيًا بإمرة مائة وتقدمة ألف عوضًا عن ألابغا. وهذه الوظيفة هي الآن وظيفة رأس نوبة النوب وقد بينا ذلك في غير موضع. ثم خلع السلطان على القضاة الأربعة وهم: قاضي القضاة بدر الدين بن أبي البقاء السبكي الشافعي وقاضي القضاة صدر الدين بن منصور الحنفي وقاضي القضاة جمال الدين بن خير المالكي وقاضي القضاة ناصر الدين العسقلاني الحنبلي وخلع على قضاة العسكر ومفتي دار العدل ووكلاء بيت المال وعلى مباشري الدولة وعلى القاضي بدر الدين بن فضل الله كاتب السر وعلى علم الذين سن إبرة الوزير وعلى تقي الدين محمد بن محب الذين ناظر الجيش وعلى سعد الدين بن البقري ناظر الخاص. ثم خلع الملك الظاهر على القاضي أوحد الدين عبد الواحد موقعه في أيام إمرته وعلى جمال الدين محمود القيصري محتسب القاهرة وعلى سائر أرباب الدولة وأعيان المملكة فكان يومًا مشهودًا. ثم في يوم الخميس سابع عشرينه طلب السلطان سائر الأمراء والأعيان وحلفهم على طاعته. وفيه أيضًا خلع على الأمير بهادر المنجكي واستقر أستدارًا بإمرة طبلخاناه وأضيف إليه أستادارية المقام الناصري محمد ابن السلطان الملك الظاهر برقوق. ثم في يوم الاثنين تاسع شوال أخلع السلطان على العلامة أوحد الدين عبد الواحد بن إسماعيل بن ياسين الحنفي باستقراره كاتب السر بالديار المصرية عوضًا عن القاضي بدر الدين بن فضل الله بحكم عزله. ثم أخلع السلطان على الأمير جلبان العلائي واستقر حاجبًا خامسًا ولم يعهد قبل ذلك بديار مصر خمسة حجاب وعد ذلك من الأشياء التي استجدها الملك الظاهر برقوق. وأخلع على رجل من صوفية خانقاه شيخون يقال له خير الدين العجمي باستقراره قاضي قضاة الحنفية بالقدس الشريف. ثم أخلع أيضًا على رجل آخر من صوفية خانقاه شيخون يقال له موفق الدين العجمي بقضاء غزة كل ذلك بسفارة الشيخ أكمل الدين شيخ الخانقاه الشيخونية. وهذا أيضًا مما استجده الملك الظاهر فإنه لم يكن قبل ذلك بالقدس ولا بغزة قاض حنفي. ثم في يوم الأربعاء تاسع عشرين شوال ركب السلطان الملك الظاهر من قلعة الجبل وعدى النيل من بربلاق إلى الجيزة وتصيد ثم عاد من آخر النهار وقد ركب الأمير أيتمش عن يمينه والعلامة أكمل الدين شيخ الشيخونية عن يساره. ثم رسم السلطان بعد عوده من الصيد باستقرار بدر الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم بن مزهر في كتابة سر دمشق عوضًا عن القاضي فتح الدين محمد بن الشهيد. ثم ورد الخبر على السلطان من الأمير يلبغا الناصري نائب حلب بأن الأمير ألطنبغا السلطاني نائب أبلستين عصي وطلع إلى قلعة دارندة المضافة إليه أمسك بعض أمرائها وأطلع إلى دارندة ذخائره فركب العسكر الذين هم بالمدينة عليه وأمسكوا مماليكه وحاصروه فطلب الأمان منهم. ثم فر من القلعة إلى أبلستين ثانيًا فكتب إليه الناصري نائب حلب يهدده فلم يرجع إليه وفر هاربًا وفي يوم السبت سابع عشر ذي القعدة ركب السلطان أيضًا من القلعة إلى جهة المطرية ومضى إلى قناطر بحر أبي منخا ثم عاد وشق القاهرة من باب الشعرية وكان لمروره يوم مشهود وهو أول ركوبه ومروره من القاهرة في سلطنته. ثم قدم الخبر على السلطان بفرار الأمير آقبغا من عبد الله نائب غزة منها إلى الأمير نعير. وفي هذه الأيام أخلع السلطان على الأمير قرقماس الطشتمري باستقراره خازندارًا كبيرًا. وفي سابع عشر ذي الحجة من سنة أربع وثمانين وسبعمائة ركب السلطان من القلعة وعدى النيل إلى بر الجيزة ثم عاد من بلاق في سابع عشر ذي الحجة المذكور. وفي سابع عشرين ذي الحجة قدم الأمير ألطنبغا الجوباني أمير مجلس من الحجاز وكان حج مع الركب الشامي وعاد من طريق الحج المصري. وفي يوم السبت أول محرم سنة خمس وثمانين وسبعمائة قم الأمير يلبغا الناصري نائب حلب إلى الديار المصرية فخرج الأمير سودون الشيخوني النائب إلى لقائه وجماعة من الأمراء وطلع الجميع في خدمته إلى القلعة وقبل الناصري الأرض بين يدي السلطان الملك الظاهر. وخلع السلطان عليه بالاستمرار على نيابة حلب فكان مجيء الناصري إلى مصر أول عظمة نالت الملك الظاهر برقوقًا لأن يلبغا الناصري المذكور كان من كبار مماليك الأتابك يلبغا العمري وممن تأمر في أيام يلبغا وبرقوق كان من صغار مماليكه. وأيضًا فإن الناصري كان في دولة الملك الأشرف شعبان بن حسين أمير مائة ومقدم ألف وبرقوق من جملة الأجناد ممن يتردد إليه ويقوم في مجلسه على قدميه فلم يمض غير سنيات حتى صار كل منهما في رتبة معروفة. فسبحان مغير حال بعد حال. ويلبغا الناصري هو صاحب الوقعة مع الملك الظاهر برقوق الآتي ذكرها - إن شاء الله تعالى - في هذا المحل. ثم نزل الأمير يلبغا الناصري وعليه خلعة الاستمرار بنيابة حلب وعن يمينه الأمير أيتمش وعن يساره الأمير ألطنبغا الجوباني ومن ورائه سبعة جنائب من خيل السلطان بسروج ذهب وكنابيش زركش أنعم بها عليه. ثم حمل إليه السلطان والأمراء من التقادم مما يجل وصفه. ثم ركب السلطان في يوم السبت ثامن المحرم ومعه الأمير يلبغا الناصري وعدى النيل من بلاق إلى بر الجيزة وتصيد وعاد في آخر النهار. وفي عاشره خلع السلطان على الأمير يلبغا الناصري نائب حلب خلعة السفر وخرج من يومه إلى محل كفالته بحلب. ثم في يوم الاثنين سابع عشره أخلع السلطان على شمس الدين إبراهيم كاتب أرنان واستقر به وزيرًا على شروط عديدة منها: أنه لا يلبس خلعة الوزر فأجيب ولبس خلعة من صوف وفيه وصل الأمير أسد الدين الكردي أحد أمراء حلب في الحديد لشكوى بعض التجار عليه أنه غصبه مملوكًا فحبس أيامًا ثم أفرج عنه وأخرج على تقدمة ألف بطرابلس. ثم عزل السلطان الأمير إينال اليوسفي عن نيابة صفد بالأمير تمرباي التمرداشي وأنعم على إينال بتقدمة ألف بدمشق. وفيه استعفى الأمير يلو من نيابة حماة فأعفي. وفي تاسع عشرة قدم سالم الدوكاري من حلب فأكرمه السلطان وأخلع عليه وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه بحلب. وفي ثامن عشرين جمادى الأولى وهو سادس مسرى أوفى النيل فنزلا الملك الظاهر من القلعة في موكب عظيم حتى عدى النيل وخلق المقياس وفتح خليج السد. وهذا أيضًا مما استجده الملك الظاهر برقوق فإنه لم يعهد بعد الملك الظاهر بيبرس البندقداري سلطان نزل من القلعة لتخليق المقياس وفتح الخليج غير الملك الظاهر هذا فهو أيضًا ممن استجده لطول ترك الملوك له. وفي هذا الشهر أخلع السلطان على الأمير صنجق الحسني اليلبغاوي بنيابة حماة عوضًا عن يلو بحكم استعفائه عن نيابة حماة. وفيه ورد الخبر بموت الأمير تمرباي التمرداشي نائب صفد بعد أن أقام على نيابة صفد خمسة أيام فأخلع السلطان بعد مدة على الأمير كمشبغا الحموي بنيابة صفد عوضه. وكمشبغا هذا هو أكبر مماليك يلبغا العمري وممن صار في أيام أستاذه أمير طبلخاناه ولم يخرج عن طاعة أستاذه يلبغا ولهذا مقته خشداشيته الذين خرجوا على أستاذهم يلبغا لكونه لم يوافقهم وقد تقدم أنه ولي نيابة دمشق وصفد. وطرابلس قبل ذلك. وفي أول شهر رجب من سنة خمس وثمانين وسبعمائة طلع الأمير صلاح الدين محمد بن محمد بن تنكز إلى السلطان ونقل له عن الخليفة المتوكل على الله أبي عبد الله محمد أنه اتفق مع الأمير قرط بن عمر التركماني المعزول عن الكشوفية ومع إبراهيم بن قطلوقتمر العلائي أمير جاندار ومع جماعة من الأكراد والتركمان وهم نحو من ثمانمائة فارس أنهم يثبون على السلطان إذا نزل من القلعة إلى الميدان في يوم السبت للعب بالكرة يقتلونه ويمكنون الخليفة من الأمر والاستبداد بالملك. فحلف السلطان ابن تنكز على صحة ما نقل فحلف له وطلب يحاققهم على ذلك. فبعث السلطان إلى الخليفة وإلى قرط وإلى إبراهيم بن قطلقتمر فأحضرهم وطلب سودون النائب وحدثه بما سمع فأخذ سودون ينكر ذلك ويستبعد وقوعه منهم. فأمر السلطان بالثلاثة فحضروا بين يديه وذكر لهم ما نقل عنهم فأنكروا إلا قرط فإنه خاف من تهديد السلطان فقال: الخليفة طلبني وقال: هؤلاء ظلمة وقد استولوا على هذا الملك بغير رضائي وإني لم أقلد برقوقًا السلطنة إلا غصبًا وقد أخذ أموال الناس بالباطل. وطلب مني أن أقوم معه وأنصر الحق فأجبته إلى ذلك ووعدته بالمساعدة وأن أجمع له ثمانمائة واحد من الأكراد والتركمان وأقوم بأمره فقال السلطان للخليفة: ما قولك في هذا فقال: ليس لما قاله صحة فسأل إبراهيم بن قطلقتمر عن ذلك فقال: ما كنت حاضرًا هذا الاتفاق لكن الخليفة طلبني إلى بيته بجزيرة الفيل وأعلمني بهذا الكلام وقال لي: إن هذا مصلحة. ورغبني في موافقته والقيام لله تعالى ونصرة الحق. فأنكر الخليفة ما قاله إبراهيم أيضًا. وصار إبراهيم يذكر له أمارات والخليفة يحلف أن هذا الكلام ليس له صحة فاشتد حنق الملك الظاهر وسل السيف ليضرب عنق الخليفة فقام سودون النائب وحال بينه وبين الخليفة وما زال به حتى سكن بعض غضبه. فأمر الملك الظاهر بقرط وإبراهيم يسفرا واستدعى القضاة ليفتوه بقتل الخليفة فلم يفتوه بقتله وقاموا عنه فأخذ برقوق الخليفة وسجنه بموضع في قلعة الجبل وهو مقيد وسمرقرط وإبراهيم وشهرًا في القاهرة ومصر. ثم أوقفا تحت القلعة بعد العصر فنزل الأمير أيدكار الحاجب وسار بهما ليوسطا خارج باب المحروق من القاهرة فابتدأ بقرط فوسط وقبل أن يوسط إبراهيم جاءت عدة من المماليك بأن الأمراء شفعوا في إبراهيم ففكت مساميره وسجن بخزانة شمائل. ثم طلب السلطان زكرياء وعمر ابني إبراهيم عم المتوكل فوقع اختياره على عمر فولاه الخلافة وتلقب بالواثق بالله كل ذلك في يوم الاثنين أول شهر رجب.
|